كتاب: الاستخراج لأحكام الخراج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستخراج لأحكام الخراج



ويدل على أن الخراج ليس جزية أنه يستدام على الكافر بعد إسلامه فلو كان جزية لسقط بإسلامه فدل على أنه أجرة وقد أقر عمر وعلي وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم الدهاقين بعد إسلامهم على أرضهم بخراجها ولا نعلم في هذا خلافا إلا ما سنذكره على الأوزاعي رحمه الله ولما كان أكثر أصحابنا يقولون إن الخراج أجرة أشكل على بعضهم كراهة الدخول في الخراج فقال ابن عقيل في كتاب عمدة الأدلة لم يكرهه أحمد لكونه ليس بأجرة وإنما كرهه لما كان من زيادة السلاطين في زمنه على وظيفة عمر رضي الله عنه وحبسهم وضربهم على ذلك وأخذه وصرفه فيما لا يشرع صرفه قال ولا يجوز أن ينصرف كراهته إلى الخراج الذي دخلت فيه الصحابة رضي الله عنهم ورضيت به أداء وأخذا ولكن الحوادث حدثت أو جبت معاونة ومشاركة في الباطل انتهى.
وهذا تعليل غريب وهو مخالف لنفي أحمد.
قال الأثرم سئل أبو عبدالله عن الذي يأخذ السلطان من الخراج من أصحاب القرى أيدخل في المعونة لهم قال لا ثم قال أرجو أن لا يدخل ثم قال الخراج لابد منه والخراج مكروه قال وسئل عن المؤدي إليهم آثم في جور السلطان قال أرجو أن لا يكون عونا لهم.
وذكر بعضهم مأخذا آخر لكراهة شراء المسلم الأرض الخراجية وهي أنه يسقط خراجها فيسقط بذلك حق المسلمين فينهي عنه كما ينهي الذمي عن شراء الأرض العشرية لما فيه من إسقاط حق المسلمين من العشر ثم هل يسقط عنه العشر إذا فعل أو يضاعف عليه أو يبطل بيعه على أقوال معروفة وهذا إن أريد به أن المسلم إذا اشتراها فلا خراج عليه فهذا لا نعلم به قائلا وإن أريد الواقع كان بينهم كذلك فالمنهي عنه هو إسقاط حق المسلمين من الخراج لا اشتراء الأرض الخراجية وقد روي عن عمر ما يشهد لهذا من رواية مجالد عن الشعبي أن عتبة بن فرقد اشترى أرضا من أرض الكوفة فطلب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجعلها صدقة فقال اشتريتها من أهلها قال اشتريتها ممن كانت في يده قال اشتريتها من أهلها ثم أدى عنها الخراج خرجه حرب الكرماني.
وذكر بعضهم مأخذا آخر للكراهية وهو الاشتغال بالفلاحة عن الجهاد وذلك مذموم وقد سبق عن عبدالله بن عمرو بن العاص ما يدل عليه ولكن على هذا المأخذ لا فرق بين أرض الخراج وأرض العشر وقد وردت أحاديث تدل على كراهة الاشتغال عن الجهاد بالحراثة والتجارة كما ورد في سنن أبي داود عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنهم لما أرادوا أن يثمروا أموالهم ويدعوا الجهاد نهوا عن ذلك وأنزل الله عز وجل وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وفيها أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تبايعتم بالعينة وتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم». وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى سكة حرث فقال: «ما دخلت هذه دار قوم إلا دخلهم الذل».
وخرج الإسماعيلي من طريق بكر بن عمرو المعافري عن عبدالله بن هبيرة السبائي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بنكثان الهجرة بينما الرجل في أريضته وبقيراته وغنيماته إذ وقع في نفسه الهجرة فخرج حتى إذا استحر بدار الهجرة قال لو رجعت فاتخذت أريضة إلى أريضتي وبقيرة إلى بقيراتي وغنيمة إلى غنيمتي فذلك نكثان الهجرة». غريب ومنكر ولعله موقوف.
وقد روي عن علماء الشاميين لكراهة شراء الأرض الخراجية مأخذا آخر غير ما تقدم فروى أبو القاسم بن عساكر من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي وغيره أن عمر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أجمع رأيهم على إقرار ما كان بأيديهم من أرضهم يعمرونها ويؤدون عنها خراجا إلى المسلمين فمن أسلم منهم رفع عن رأسه الخراج وصار ما كان في يده من الأرض وداره بين أصحابه من أهل قريته يؤدون عنها ما كان يؤدي من خراجها ولا يرون أنه وإن أسلم أولى بما كان في يديه من أرضه من أصحابه من أهل بيته وقرابته لا يجعلونها صافية للمسلمين ويرون أنه لا يصلح لأحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الأرض كرها لما احتجوا به على المسلمين من إمساكهم عن قتالهم فهابوا لذلك قسمتهم وأخذ ما في أيديهم من الأرض وكرهوا للمؤمنين شراءها طوعا لما كان من ظهور المسلمين على البلاد وعلى من كان يقاتلهم عنها ولتركهم فإن البعث إلى المسلمين وولاة الأمر في طلب الآمان قبل ظهورهم عليه قالوا كرهوا شراها منهم طوعا لما كان من وقف عمر رضي الله عنه وأصحابه الأرض محبوسة على آخر هذه الأمة من المسلمين المجاهدين لا تباع ولا تورث قوة على جهاد من لم يظهروا عليه بعد من المشركين انتهى.
وهذا الكلام يتضمن أن من أسلم من أهل الخراج تؤخذ الأرض منه وتنقل إلى أهل قريته من أهل الذمة وهو غريب جدا وهو خلاف المروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما من وجوه متعددة أنهما كان يقران من أسلم منهم في أرضه يؤدي عنها خراجا إذا اختار ذلك وعليه جمهور العلماء ويتضمن أيضا أن الأرض الخراجية لا تورث وسيأتي الكلام في إرثها إن شاء الله تعالى ويتضمن أن منع الصحابة من قسمتها بين الغانمين إنما هو لأن الدهاقين الذين كانت أرض الخراج بأيديهم ادعوا أنهم لم يقاتلوا المسلمين وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان ينهي عن قتل الفلاحين لكن هب أنهم لم يقاتلوا أليسوا كفارا والكافر وإن لم يحارب يجوز أخذ ماله وإنما يمتنع قتل من لا أهلية فيه للقتال كالشيوخ ونحوهم ولا يمنع ذلك أخذ أموالهم ولعل الأوزاعي وأهل الشام يقولون من امتنع قتله لعدم أهليته للقتال يمتنع أخذ ماله وهو غريب وظاهر قول الأوزاعي أن الأرض كانت لهم وأنها تركت لهم ملكا وقد سبق ما يدل على أن الأرض لم تكن للفلاحين إنما كانت معهم مخارجة كما كانت معهم في حال الإسلام ويتضمن أيضا أن منع المسلمين من شرائها منهم له مأخذان أحدهما أنه لما تعارض في حقهم أمارتان أحدهما يقتضي حقن دمائهم وأموالهم وهو ما تقدم والثانية يقتضي إباحتها وهي ظهور المسلمين على البلاد عموما وترك هؤلاء طلب الأمان قبل الفتح وذلك يقتضي أن الأرض فيء للمسلمين أو غنيمة لهم فلما تعارضت هاتان الأمارتان تركت الأرض لهم ولم يتعرض عليها بعد ذلك بشراء منهم ولا غيره وهذا فيه نظر فإن الأرض إذا كانت في الظاهر للمسلمين وقامت شبهة فيها للكفار فإذا تركت الأرض لهذه الشبهة لم يمتنع ذلك أخذنا لها منهم بعقد تراض من شراء أو غيره والمأخذ الثاني هو مأخذ الوقفية الذي نص عليه أحمد وغيره وقد سبق تقريره.
وتوقف الشعبي في شراء أرض الخراج وقال لا آمر به ولا أقول هو ربا وروي عن شريح أنه اختصم إليه في ذلك فلم يقض فيه بشيء وقال عبدالله العنبري إذا جوزه السلطان فهو جائز يشير إلى أنه عقد مختلف فيه والسلطان له الحكم في المختلفات وكذلك قال صاحب المغني من أصحابنا أنه لو باع منه الإمام شيئا لمصلحة عمارة ونحوها جاز قال ولو حكم بصحة البيع مطلقا حاكم نفذ حكمه للاختلاف فيه وهذا في الحكم بالصحة لا إشكال فيه.
وأما بيع الإمام فينبني على أن فعله هل هو حكم أم لا وفيه وجهان أحدهما هو حكم وهو قول أبي الخطاب وغيره فينفذ ولا يجوز نقضه والثاني ليس بحكم قاله القاضي في خلافه وصاحب المحرر فيحتاج إلى حكم به منه أو من غيره ليمتنع نقضه وكلام صاحب المغني هاهنا أنه حكم إلا أن يفرق بين الإمام الأعظم ومن دونه ولو أذن الإمام في بيع بعض أراضي بيت المال فقد قيل إنه ينفذ إما لأن أذنه حكم في مختلف فيه وإما لوجوب طاعته فيما لا يعلم أنه معصية.
وقد وقع في كلام طائفة من أصحابنا وغيرهم ما يقتضي وجوب طاعة السلطان فيما لا يعلم أنه محرم واعترض ذلك بعض أئمتنا المتأخرين وقال إنما يطاع في الأمر المجهول من علم علمه وعدله وأما من ليس كذلك فلا يطاع إلا فيما علم أنه ليس بمعصية وهذا أشبه بكلام الإمام أحمد والله أعلم.
وهاهنا فرع قرأته بخط القاضي أبي يعلى قال إنسان ابتاع من أرض الخراج في نصف الحول احتمل أن يسقط خراج هذه السنة كما لو أسلم في أثناء الحول سقط الجزية وهما سؤالان هذا خراج الرؤوس وهذا خراج الأرض انتهى ولعل مراده أنه يسقط الخراج عن البائع ويستأنف المشتري حولا وظاهره أنه يسقط خراجها مطلقا فأما سقوط الخراج عن البائع بالبيع في أثناء الحول فظاهر لأن الخراج إنما يجب في آخر الحول إذا كان مماسحة وإن كان مقاسمة فيجب عند تصفية الزرع كما سبق فإذا زال الملك قبل ذلك فلا وجوب كما لا يجب الزكاة على النصاب إذا زال الملك قبل الحول فيه وأما التعليل بأنه جزية فيسقط بالإسلام فضعيف لوجهين أحدهما أن الخراج أجرة عند أصحابنا لا جزية والأجرة لا تسقط بانتقال الملك لكن ظاهر كلام أصحابنا أنه لا تسقط على مدة الحول كالأجرة وإنما يجب بآخر المدة ويدل عليه مسألة تعجيل الخراج التي ذكرناها في آخر الباب الماضي والثاني أن الإسلام لا يسقط الخراج فيكف يصح إلحاقه بالجزية وأما المشتري فظاهر كلام القاضي أنه لا خراج عليه في هذه السنة ولا يستأنف حولا من حين ملكه بخلاف مشتري نصاب الزكاة والفرق بينهما أن الخراج مضروب على عموم الأرض في وقت واحد وكل أهله مشتركون في وقت وجوبه فلا يفرد بعضهم فيه بحول عن بعض بخلاف أموال الزكاة وفي هذا نظر ولا يبعد أن المشتري أن كان اشتغل في مدة ملكه أن الخراج عليه لأن الخراج عليه معتبر بالتمكن من الانتفاع وقد تمكن وانتفع وكذا لو تمكن ولم ينتفع وأما إن كان الخراج مقاسمة فلا إشكال في وجوبه على المشتري إذا اشتغل في مدته وهذا حكم الوارث إذا انتقل إليه أرض موروثه الخراجية في أثناء الحول.
فصل:
قد سبق قول أحمد إن أرض السواد لا يشتري منها أكثر من القوت وأن ما زاد عليه يتصدق به وله مثل ذلك نصوص كثيرة قال المروزي عن كتاب الورع قال أبو عبدالله هذه الغلة ما يكون قوتنا وإنما ذهب فيه إلى أن لنا فيه شيئا قال ودار بيني وبينه كلام وأخبرته عن رجل قال لو أن أبا عبدالله ترك الغلة وكان يبضع له صديق كان أعجب إلي فقال أبو عبدالله هذه طعمة سوء أو قال ردية من تعود هذا لم يصبر عنه ثم قال هذا أعجب إلي يعني الغلة ثم قال لي أنت تعلم إلى أن هذه الغلة لا تقيمنا وإنما آخذها على الاضطرار وذهب إلى أن يأخذ الرجل من السواد القوت ويتصدق بالفضل قلت له وترى أن يتخذ الرجل الضيعة في السواد قال حسبك يكون الرجل يتخذ القوت قال وقال لي أبو عبدالله بشر بن الحارث كان يأكل من غلة بغداد قلت لا هو كان ينكر على من يأكل قال إنما قوي بشر لأنه كان وحده لم يكن له عيال ليس من كان معيلا كمن كان وحده لو كان إلى ما بالبيت ما أكلت قال وسمعت أبا عبدالله يقول لو وجدت السبيل لخرجت من هاهنا.
قال وسئل أحمد عن مسألة من الورع فقال أنا لا ينبغي لي أن أتكلم فيها أنا آكل من غلة بغداد لو كان بشر كان ينبغي أن يتكلم.
وقال أحمد في رواية أبي طالب لا يتمول الرجل من السواد فإن عمر رضي الله عنه أوقفه على المسلمين وإنما يجوز له قوته وقوت عياله.
وقال في رواية حنبل أقمت ما ورثت من السواد مقام المضطر الذي ليست له حيلة أن يأكل ما لابد له منه من الميتة فعلى هذا المعني أنزل السواد والمقام فيه وأحمد رحمه الله كان قد ورث من أبيه دورا وحوانيت ببغداد فكان ينزل الدور ويكري الحوانيت ويقتات منها وعنده أن بغداد من جملة أرض السواد نص على ذلك في رواية صالح وغيره لأنها كانت من أرض الخراج في زمن عمر رضي الله عنه.
قال القاضي في الأحكام السلطانية الأصل في بغداد أنها وقف وقد تداولتها أيدي السلاطين وغيرهم بالبيع والإقطاع ورفع أيدي القوم الذين أقرهم فيها بالخراج الذي هو أجره فتحصل في حكم المغصوبة ومن أصله أن الزرع في الأرض المغصوبة لصاحب الأرض ولهذا اختار التقلل منها لأنها حال ضرورة والضرورة قد تؤثر في الإباحة انتهى.
فالقاضي ظن أن غلة بغداد التي كرهها أحمد زرعها وليس كذلك ولم يكن لأحمد بها زرع ولا بالسواد وإنما كان له ببغداد حوانيت يؤجرها فما وجه القاضي به كلام أحمد هاهنا غير متوجه.
وقال في كتاب المجرد قال أحمد التجارة أحب إلي من غلة بغداد وإنما أخذها على الاضطرار فقيل له لم كرهتها وقد وقفها عمر رضي الله عنه فقال من أجل ما غير هؤلاء قال القاضي فقد بين علة الكراهة وهو أن حكم هذه الأرض أنها وقف على جماعة المسلمين لا يجوز لأحد أن ينفرد منها بزيادة على الحاجة وقد حدث من لم يعتبر هذا بل يملكها واستكثر منها فما يكون من غلتها يكون في أرض بغير حق ولهذا كرهه انتهى وهو عائد إلى ما قبله من أن الغلة هي الزرع المزروع في الأرض وقد بينا أنه ليس ذلك مراد أحمد وقال في كتاب الخلاف كلام أحمد هذا يدل على أن الفيء يصرف في الحاجات قال في رواية المروزي من كان في العطاء إنما أخذوا على الفقر وأعجبه حديث طلحة قال مالك قلت لطلحة يا أبا عبدالله لو وجدت غنا عن العطاء لتركته قال طلحة هكذا نقول قال وقال في رواية بكر بن محمد الفيء لكل مسلم فيه حق إن رآه الإمام وإعطاء الناس وأن يبلغ ذلك ولم يعط الإمام وكان عدلا وهو على ما يرى فيه ويجتهد وهذا المحمل أشبه بكلام أحمد مما قبله وإن الفيء عنده يتقدم فيه ذوو الحاجات بقدر حاجاتهم وأنه على حسب اجتهاد الإمام العادل ولكن الإمام العادل يتعذر وجوده في أغلب الأوقات فيأخذ كل مستحق منه بقدر حاجته عند الضرورة وليس له الزيادة على الحاجة ولهذا قال لا يتمول الرجل من السواد فإن عمر رضي الله عنه أوقفه على المسلمين وإنما يجوز له قوته وقوت عياله وهذا يدل على أن الأموال المشتركة إما بين عموم المسلمين أو بين قوم موصوفين بصفة كالوقف على الفقهاء ونحوهم لا يتمول منه وإنما يأخذ الإنسان منه قدر قوته وقوت عياله لاسيما إن لم يوجد أمام عادل يقسمه بالعدل وذلك هو الغالب ولا يقال إن منه ما يوجد أجرة عن عمل كالتدريس ونحوه لا أولا لا نسلم أن ذلك أجرة محضة بل هو رزق وإعانة على العلم بهذه الأموال وأيضا فلو سلم أنه أجرة فالواقفون إنما أرادوا به إعانة جنس طلبة العلم مثلا لتكثيره ونشره فلا يجوز لواحد الاستبداد بالجميع فإن هذا ينعكس به المقصود وأيضا فلو كان قوم من العمال يطلبون العمل في موضع فجاء من يستعملهم فطلب واحد منهم أن يتقبل جميع الأعمال في ذمته ويقيم من يعملها ويمنع بقية رفقائه من العمل فإن هذا لا يخفي قبحه وتحريمه وهو أشد تحريما من احتكار الأقوات المحتاج إليها ومن تلقي الأجلاب وبيع الحاضر للبادي ونحو ذلك مما نهي عنه للتضييق على الناس.
ولكن المشهور عن أحمد أن الفيء مشترك بين الغني والفقير نقله عنه جماعة من أصحابنا فعلى هذا ينبغي أن يجوز الأخذ منه للغني والفقير لاسيما إن أعطاه الإمام لكن مع تخصيص الإمام لم توجد القسمة المعتبرة ولهذا اختلف في ذلك الحسن وابن سيرين فتورع ابن سيرين من الأخذ لكونهم لم يعملوا بالقسمة وأخذ الحسن لأن الإمام له ولاية التخصيص وإن كان غير عدل ثم إن هاهنا حالتين إحداهما أن يحصل للإنسان من مال بيت المال بقسمة من هو غير عادل فهنا توقف أحمد وغيره من أهل التدقيق في الورع كابن سيرين كما توقفوا في أخذ العطاء من المملوك.
وعلل أحمد بأن الثغور معطلة غير مشحونة والفيء غير مقسوم بين أهله وهذا لأن الفيء يجب فيه البداءة بمهمات المسلمين العامة ثم الباقي يقسم بين عموم المسلمين على رواية عنه وعلى أخرى يقدم ذوو الحاجات بقدرها ويقسم بالسوية من غير تفاضل على إحدى الروايتين فإذا خص بعضهم قبل سد مهمات المسلمين لم يعلم أنه يستحق بقدر ما أخذه وأيضا فهو كتخصيص المدين لبعض غرمائه بالعطاء دون بعض وهو غير جائز ولهذا يثبت للآخر حق الرجوع عليه وقد يجاب عن هذا بأن الفيء إذا علم أن فيه فضلا عن المهمات وقلنا يجوز قسمته على التفاضل فلا مانع حينئذ من الأخذ.
والحالة الثانية أن يحصل في يد الإنسان شيء بغير قسمة فسنذكره في باب مفرد إن شاء الله تعالى فمن هاهنا كان أحمد يتورع عن أجرة دور بغداد فتارة كان يخرج منها الخراج وتارة كان لا يخرج ويقدم حاجته ويتصدق بالفضل وأما أرض السواد فإن كان الملوك يعطونها بغير خراج فهي كدور بغداد إلا أن يضعوا عنه الخراج فإن فيه خلافا بين أحمد وإسحاق وسنذكره في موضع آخر إن شاء الله تعالى.
وأما إن كانوا يعطونها بالخراج فهذه مأخوذة معاوضة والأئمة لهم ولاية ذلك فلا ينبغي التوقف في جوازه وإنما وقعت الكراهة في كلام أحمد على الحالة الأولى لأن الغالب كان في زمانه استيلاء الملوك على السواد واستقطاعه واستصفاؤه لأنفسهم وأعوانهم ولهذا كان أهل الورع الدقيق من العلماء كابن سيرين والثوري وأحمد يتشددون في قطائع الأمراء وصوافهم لأنفسهم وأعوانهم ولا يرون السكنى فيها ولا الأكل من زرعها لأنها في أيديهم كالغصب لأنها من مال الفيء وهم مستولون عليها بغير حق ولا يعطون المسلمين بخراج ولا غيره.